............. انتصار الثورة الشعبية في مصر العربية ..............
من صبر شعبنا العظيم على المكاره الذي تحدى صبر أيوب !.. من وعيه العميق بدوره الرائد الذي غاب فى حياة أمته ، ومن إيمانه الراسخ بأن الحرية هي إرادة الله وأن ماعداها وهم زائل ، وبأن الحياة بلا معنى ليست جديرة بأن تعاش ،وأن الاستشهاد من أجل هذا المعنى حياة .
من كرامتنا المهدورة باتفاقيات المهانة والذل من كبريائنا الذليل ..بتحالفات مع العدو ضد أنفسنا .. ومن عرقنا المستباح بلا رحمة .. ومن صلف عصابة باغية استولت على سلطة شعبنا وثروته ..ودفعت بنا بعيدا على حواف الموت .. تحت خط الفقر في المقابروالعشوائيات ..من حريتنا المغتصبة.. بصنوف من العنف المادي ينافس همجيات القرون الوسطى .. وبألوان من العنف المعنوي و التضليل الإعلامي والتسطيح الثقافي والفن الهابط فى محاولة يائسة لتخديره، ووأد كل ماهو جميل فى حياته.
وأخيراً .. رغم هذا كله .. ورغم مواجهة بالغة الضراوة لشبابنا وثوارنا في ميادين مصر وساحاتها على امتداد سبعة عشر يوماً مجيدة .. وبعد ليل طويل حالك .. انتصرت الثورة الشعبية في مصر .. وجعلت من انتصارها يوم الخامس و العشرين من يناير من عام 2011 مسيحي يوماً تاريخياً في حياة شعبنا وأمتنا وفي حياة العالم أجمع .
انتصر الشعب العربي في مصر .. وحول انتصاره الجماهيري المهيب إلى رسالة قوية نابضة .. و إنذارٍ مكتوب بدم شهدائه وجرحاه... إلى كل طواغيت الأرض .. و الآلهة من دون الله .. ومصَّــاصي الدِّماء .. و المتاجرين في عظام البشر .. كما جعل منه بشرى إلى أحرار العالم من طلاب الحرية بأن عصر الجماهير آت لاريب فيه .. وأن ربيع أمة العرب قد أهل علينا بوعوده وتباشيره.
انتصر الشعب العربي في مصر .. مع أنه بدأ المواجهة وحده .. فقد أنكرته المعارضة المتهالكة .. في بداية الأمر .. لكن شبابه المؤمن بحريته وحقه المشروع في الحياة .. وصموده الرائع .. تمكن من توحيد مصر بكــل أطــيافهــا .. رجالهــا و نسائهــا .. شبابهــا و شيوخـهــا .. مسلميهــا و مسيحييها .. ومن صهرهم جميعاً في بوتقة واحدة .. وأن يجعل من حضورهم المهيب قوة معادلة لكل أجهزة القهر .. ولكل قوى البغي و الطغيان .
انتصر الشعب العربي في مصر .. في ملحمة رائعة من ملاحم الكفاح .. تقدم لكل شعوب الأرض ولكل طلاب الحرية درساً و نموذجاً عملياً .. بأن إرادة الشعوب أقوى من إرادة الجلادين ، وأن عصر الشعوب حقيقة واقعة . وأن انتصارها .. يقين لاريب فيه .
انتصـر الشعــب العربـي فـي مصــر .. لينفض عــن نفســه غبار اليــأس و الإحباط و المهانة و الخوف ويمسك بمكامن قوته .. ويسخرها لبناء حياة مظللةٍ بالأمان والعدل و الحرية و التقدم .
انتصر الشعب العربي في مصر .. ليسترد مكانته وموقعه الطبيعي طليعة لأمته العربية على طريق الحرية و الكرامة و المجد .. وليجعل من مصرنا العربية .. قلباً نابضاً للأمة العربية على طريق الوحدة و التحرر .
انتصر الشعب العربي في مصر .. في مواجهة التفاوت المهين الذي جعل نصف تعداد شعبنا يعيشون دون مستوى الكفاف.. في حالة فقر بلا قاع .. وقلة باغية تعيش الغنى الفاحش بلا سقف !!
انتصر شعبنا العربي المصري .. في مواجهة الفساد الذي أتى على أخضرها ويابسها دون رحمة .. ليعلى حق الشعب في ثروته ومقدراته .
انتصر شعبنا العربي في مصر .. ليؤكد بإنجازه التاريخي الرائع .. أن الثورة الشعبية كامنة في فطرة الثوار .. وأن الشعوب عند منحنيات التاريخ الخطرة .. تجد نفسها وجهاً لوجه .. مع أدوات الثورة الشعبية .. ملاذاً حقيقياً لا يخذلها أبداً.. في تحقيق أمنهم أو تنظيم شؤون حياتهم .
انتصر شعبنا العربي في مصر .. ليؤكد أن الشعوب في معمعان الثورة .. تكتشف جوهرها الحقيقي .. وتمسك بمقابض قوتها.. وتتحول إلى زلزال يـدمر كـل قـوى الشر المتجسـدة فـي الدكــتاتوريـة ، و الفسـاد ،والقهر ، و التفاوت ، و التطفل على العرق والابتزاز .
انتصر شعبنا العربي في مصر .. ليؤكد للدّنيا كلها أصالة أمتنا العربية ، وقدرتها على الإسهام الحق في حياة العالم ... ، وأن شعوبها قادرة بالثورة السلمية على انتزاع سلطتها وثروتها من غاصبيها ، وإعادة صنع الحياة ، من جديد وفقاً لمصالحها و إرادتها .
الأهم من هذا كله أن شباب مصر الذين فجروا الثورة الشعبية في ربوعها في سابقة لم يعرفها العالم منذ الثورة الفرنسية .. لا يحتاجون إلى من يذكرهم في هذه الأيام المجيدة .. بأن ألاعيب طلاب السلطة ليست لها نهاية .. وأن فلسفة السكون و التراجع و الرَّدة تنشط ، وتطل برأسها مع كل صعود جماهيري....
إنهم ببساطة يعرفون أن مصر لا تحتاج إلى تغيير رئيس برئيس ... ولا برلمان ببرلمان .. وأن الشعب وحده هو البديل الذي لا يخدع ولا يخون .
وبعد .. فإنني لا أجد ما أختتم به تحيتي إلى من قاموا بهذا العمل العظيم.. وإلى جيش مصر الذي صدق وعده مع جماهيره .. إلا أن أستعير عبارة جاءت عن لسان واحد من شباب هذه الثورة التاريخية.. يقول فيها «لقد غيبوا شعب مصر طويلاً .. وقد آن الأوان أن نقول له بعد انتصار ثورته : مرحبا بشعبنا العظيم... ونحمد الله على سلامتك .. نحمد الله على سلامتك «.
بقلم : د. محمد رضا طلبه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق